8 – 5 – 2010 :
عندما تكون الروايات قصص واقعية لأشخاص عاشوا ما كُتب بحق يكون لها أثر مختلف في النفس
-إذا الأيام أغسقت
– جدار بين ظلمتين
– تلك العتمة الباهرة
الثلاث روايات لم ترحل أحداثها عني كما رحلت الكثير من الأحداث في روايات قبلها
للتو أدركت وأنا أكتب العناوين الثلاثة أن كلها غارقة في الظلمة
أيوضح ذلك بشاعة الواقع بشكل أكبر
ربما
وربما هي مجرد مصادفة أسماء لا تعني أي شيء
الروايتين الأولتين تدور أحداثهما في العراق أما الثالثة ففي المغرب
تلك العتمة الباهرة للطاهر بن جلون
يتحدث فيها عن أحد المعتقلين في سجن تزمامارت في المغرب
الرواية في جميع فصولها تقريباً تحكي عن حياة المعتقل خلال ثمانية عشر عاماً قضاها هناك..
في العتمة..
حيث تنعدم معظم مقومات الحياة …
كان الناجون بعد كل السنوات اليت مضت ثلاثة من المعتقل -أ- من أصل ثلاثة وعشرين شخص تقريباً
قضى المعتقل سنواته في زنزانة لا يستطيع فيها حتى ان يقف بشكل مستقيم ،لاصطدام رأسه بسقفها المنخفض
على غذاء مكون من ماء وخبز يابس
بلا ضوء
حتى بلا أسماء مجرد أرقام تطلق على كل واحد منهم فور دخوله المعتقل
تجريد الشخص ابتداء من أعظم حقوقه حتى أبسطها
كان الباقون على قيد الحياة طيلة سنوات السجن يشهدون موت غيرهم من فترة لأخرى وكأنه يخبرهم بمصيرهم البشع في هذا المكان
غرغرينه ، انتحار ، إمساك، إضراب عن الطعام
أسباب عدة وفي النهاية موت
كان موت أحدهم يشعرهم بشيء من الألم خصوصا إن كان الشخص قد قضى سنوات أطول ، إلا أنه يعني لهم شيئاً من نور كذلك
فيُتاح لهم رؤية سماء كانت من أعظم المحرمات لديهم لدفن ميتهم.
الناحون برأيي لم تكن نجاتهم لقوة جسدية أو ما شابه
من الرواية عند القراءة والتمعن بأساليب المعتقلين في التعامل مع السجن تبين لي بأن ذلك ما حدد مصير كل منهم
من تتحدث عنه الرواية لم ينج ُ من الأمراض فحاله كان كغيرهـ إلا أنه لم يكن طوال وقته في تلك الحفرة ، رغم أن جسدهـ ظل فيها على الدوام
كان يبتعد كثيراً عن المكان
يبتعد عن الألم الجسدي والنفسي
يبتعد عن كلمات غيرهـ التي سببت الموت للبعض
كان لدى المعتقلين هناك نظام أعدوهـ بأنفسهم ، ربما ليشعروا بأنهم يملكون ما يتحكمون فيه حتى تلك اللحظة التي فقدوا فيها كل شيء
كانت هناك فترة لحفظ القرآن ، تعلم الإنجليزية ، والنقاش
أما بعد العشاء فقد خصص الوقت للصمت
حيث لا كلمة تنطق ليسود الهدوء ويرحل هو..!
أعتقد بأن رحيله هو ما أعانه على البقاء ، كان يخلق لنفسه مكاناً يذهب إليه يعيش هناك كأن لا مرض يكاد يقضي على جسدهـ
كأن لا ظلمة
حرمان
أو استمرار حال بائس لسنوات بلا مؤشرات تبعث يئاً من أمل
كان يتلو لمن معه ما يذكرهـ مما قرأه من الكتب ، وأصبح الراوي لهم
حتى أن أحد المعتقلين كان يرجو منه المزيد بعد أن أدرك بأن لا شيء يبقيه حياً سوى ما يسمع من قصص من شفاه الراوي
فبانعدامها كان يدرك أن أيامه اقتربت من نهايتها
لا شيء سيبقى له بعدها ، سوى التفكير بالألم
السجن
الذكريات
حتى تحين لحظة الموت
مات ذلك الرجل بالفعل إلا أن الراوي بهروبه بقي
بعد مرور خمسة عشر عاماً على السجن اكتشف أحد المسجونين بأن له علاقة قرابة بأحد الحراس عندما بدأوا يتحدثون
فوافق الحارس حينها على توصيل رسالة لزوجة المعتقل ، ليطلب هو من الراوي أن يكتب له الرسالة بعد أن نسي حروف الهجاء او كيف يكتب
كانت تلك الرسالة الأمل الوحيد الذي ربما لم يدرك المعتقلين ذلك إلا أنها كانت بداية النهاية لما هم فيه
وجودهم في تزمامارت لم تعلم به الزوجة فحسب بل علم به أشخاص عدة منهم شقيق أحد المعتقلين الذي استطاع الاتصال بامرأة تدعى مدام كريستين ، ناشطة في سبيل حقوق الإنسان
لتكون هي المنقذ الوحيد لهم من الظلمات التي أُلقوا فيها
فأمضت سنوات لتفضح المعتقل وما فيه أمام العالم لتخليصهم مما هم فيه
تستمر أحداث لكني سأقف هنا.
ولكن حتى بعد خروج الثلاثة الناجين كان الأمر مؤلم بحق ، ربما أنه الأشد ألماً في الرواية
خشية مما قد يحدث تم إنهاء معتقل تزمامارت كأن لم يكن
محاولين خداع الغير
دونما فائدة
فالسنوات التي قضاها المعتقلون كافية
والذكريات التي سيحملونها معهم كافية ،والتي دوماً ما ستترك أثراً في نفوسهم مهما حاولوا تناسيها أو التشاغل عنها
ما هو الأشد قسوة من أن يعامل البشر ككل شيء آخر غير أنهم بشر..؟
ما هو الأشد قسوة من أن يصدر الأوامر جسد يحتضنه كرسي بفخر ، دونما تفكير بالكلمات التي يلقيها
دونما تفكير بمصير أجساد بشر من جراء نطقها
~
عدة رسائل حملتها كلمات الكتاب إلي
أهمها
حب البقاء والصراع من أجل العيش مهما ساءت الاحوال وبأي طريقة مناسبة
اترك تعليقًا