شذا

عُمرٌ لن ينفى


ما يعينك على الوقوف

IMG_6463

ثمّة ما يجعلك تبقى لتتأمل هذا السقف ساعات من مضي الوقت الذي اعتدت أن ترحل به إلى راحة أكبر

ما زلت تحدث نفسك رغماً عنك بالرغم من كل المحاولات لإسكاتها دقائق معدودة كي تمهّد لها طريقاً لنوم

تعلم أن تراكمات الأعوام لا تذهب هكذا دون أن تُحدث شيئاً في نفسك، جرحاً أو ذكرى تقض مضجع أو ألماً لا تعلم كيف يكبر كل مرة يبتعد فيك الزمن عن أصل تخلّقه

حين يقرّر أحدهم أن ينسحب بصورة دنيئة جداً ويترك كل شيء ليتحجج بكل الحجج الواهية التي لا يصدقها عقل على تصرفات كتلك، بلا شك هناك من سيدفع ثمناً ليس بقليل أبداً على هذا الانسحاب

انسحاب الإنسان وهروبه من دور له في الحياة يختلف وقعه من دور لآخر لكن لا شيء أكثر أنانيّة من الانسحاب في دور يدرك جيّداً الإنسان أنه يرمي بكل شيء على آخر كي يتخفف من حمل لم يخلق يوماً إلا له، ليتخفف ويثقل غيره بكل ما لم تكتبه الحياة له. وهذا الآخر؟ لا يجد إلا سبيل الاستمرار في محاولة تمثيل دور إضافي جديد في حياته لأن النبل ووحده النبل يخبره أن من النبل أن يصنع ما يصنع كي لا يرمي هو الآخر بدوره ودور أصحاب الأنانية في طريق متهالك فيهلك آخرون وتصيّر الحكاية حكاية بائسة، والنبلاء لا يرضون أن يتهالك ما بين أيديهم مهما صنع هذا الذي يحملونه من وجع وهمّ وتهالك في أنفسهم، إنهم فقط لا يجعلون شيئاً من هذا يظهر

الوجع الذي أبصره في عيني من أحببت يقتلني كل يوم ألف مرة ويعيدني إلى كل ما كان دون أن أنوي العودة. لطالما نظرت إلى الأمام، إلى الأمام فقط كي لا أتراجع لكن الأشياء لا تستمر بالضرورة وقد تدفعك أحداث ما للعودة بأفكارك

في نقطةٍ ما تعلم أنك ساذج جداً عندما تعتقد أن السنوات التي مرّت من البديهي أن تجعل المرء أفضل، من أن تجعل على الأقل أولئك الذين تخلوا عن أدوارهم الندم والعودة بشيء من خير على النقيض تواجه كلماتك في محاولات لإيقاظ شيء ما بأساليب دفاع تشمئز نفسك منها لأنك تدرك حينها أن ذاك الذي تحاول إيقاظه لا ينام بل دفن بعد أن مات منذ زمن طويل

لطالما مررت بأحداث الحياة المختلفة وأنا أعلم أني أحمل شيئاً لا يشفى إلا أنه وكأي إنسان يصر على الاستمرار أدرك أن وقوفي الطويل على هذا الجرح لن يغير شيئاً، تفتيشي عن كل تفاصيله لتطفو على صفحة الذاكرة سيزيدني وجعاً ويجعلني أتراجع لهذا أختار في كل مرة الانغماس في أي عمل أحبه كي لا يدفعني إلى حيث المكان الذي لطالما سعيت للهروب من الوقوع فيه

لا أحد يمكنه أن يدرك تفاصيل وجعك، ولا أحد حتى أولئك الذين تركوك في منتصف طريق أو أوله يعلمون كم من المشاعر والوقت والجهد احتجت لتجتاز كل ما كان فقط لتخرج للدنيا على أنك بخير، لم تصب بسوء، على أنه لم تُكسر أشياء أثيرة في نفسك وحقيقة أنك عكفت في أوقات متفرقة كثيرة على إصلاحها وأنك مضيت أعواماً ترعاها بعناية كي لا تسقط من جراء أحداث أخرى لأنك وفي نقطة ما من حياتك ستيقن أن نفسك وحدها من تعينك على الوقوف وما تصنع فيما فيها سيحدد كل شيء، ماحتى تلك الأفكار الصغيرة التي ترسلها لنفسك في كل حين



4 ردود على “ما يعينك على الوقوف”

  1. تُعينكِ نفسك ويُعينها الله 💜

    إعجاب

    1. بإذن الله ، شكراً

      إعجاب

  2. “لا أحد يمكنه أن يدرك تفاصيل وجعك💔” اللهم يا جبار اجبر قلوبنا

    إعجاب

أضف تعليق

من أنا

شذا المويشير
البورد الكندي في طب أعصاب الكبار أتخصص في طب الأعصاب الطرفية والعضلات. كاتبة: صدر لي كتاب ذاتَ تبَصٌَر في عام ٢٠١٧.

بودكاست عزلة
الكتابة، الترجمة، السفر،التعلم و التعليم الطبي

رسائل إخبارية