شذا

عُمرٌ لن ينفى


حين لا نسمح للألم أن يمرّ من خلالنا

ما الذي نهرب منه حين لا نكتب، حين نحاول تجاهل ما يحدث فينا، حين نتشاغل وندفن أنفسنا في انشغال فارغ حتى يحل شاغل حقيقي، ثم ننغمس ونتمنى للمرة الألف لو كان ذلك الفارغ موجود، ونعد أنفسنا أن كل مرة مختلفة وأنه فقط لو كان هذا الفراغ موجود سنعامله بصورة مغايرة تماماً، مؤكد أن هذه المرة ستكون مختلفة.

ثم يحلّ ولا نصنع ما وعدنا أنفسنا ونعيد دفنها في انشغال فارغ. ودون أن ندرك يمضي وقت طويل جداً بهذه الممارسات، يمضي وقت طويل جداً على آخر مرة تحدثنا فيها مع أنفسنا وآخر مرة سمحنا للألم أن يعبر وتقبّلنا أنّه فينا وبحاجة لأن يمرّ من خلالنا قبل أن يمضي عوضاً عن أن نتركه فينا وندفع به إلى عمق النفس كي لا نعيشه. إننا ربما نعلم أنه سيبقى بهكذا مواجهة وربما نعلم أنه سيطفو مراراً على سطح عقولنا ويشعل لحظات غضب لا نعلم من أين أتت وتبدو في لحظة غفلة قادمة من اللاشيء. إلا أن الغضب لا يأتي من لا شيء. إنه يحل علينا حين نتألم، وحين يصيبنا الحزن وحين الخوف ولأننا بصورةٍ ما اخترنا ألا نعيش هذه المشاعر بكل مافيها، تبقى ولا تمضي بعيداً عنّا لكنها لا تظهر بالضرورة كما هي، نصنع كل صنيع لتجنبها، للتظاهر بأنها غريبة عنّا ونظنّ خاطئين أننا نجحنا بالرغم من حطام المشاعر المتراكم فينا، والحطام لا يتلاشى بنفسه، إنه يبقى ثم يطفو بصور مختلفة بصورة نبغضها كالغضب والتيه والرغبة بالهروب والبحث عن النهاية. ولا أحد يريد الحديث عن البحث عن النهاية أو الرغبة بها فنعيد كرة الاختباء تحت مشاعر لا تشبه الحطام الذي فينا لأننا نخاف الخوف، والحزن ونخاف الألم.

من اليسير تجاهل الحطام والمضي في الحياة بصورة تبدو طبيعية ويسيرة في حين أن الظروف هادئة لا تهز من هذا الحطام لكن حمله بصمت لا يغدو يسيراً ولا يمكنك تجنب مافي حين تتلاطم أمواج فيك وتقف أمام مواجهة ما يصدّك عن طريقك وحين تتعثّر، حينها يغدو من السهل أن يعود إليك ما دفعت به بعيداً عنك وما ظننت أنك منتصر عليه. ثمّ نتساءل من أين هذا وهو فينا طوال الوقت.

شذا



أضف تعليق

من أنا

شذا المويشير
البورد الكندي في طب أعصاب الكبار أتخصص في طب الأعصاب الطرفية والعضلات. كاتبة: صدر لي كتاب ذاتَ تبَصٌَر في عام ٢٠١٧.

بودكاست عزلة
الكتابة، الترجمة، السفر،التعلم و التعليم الطبي

رسائل إخبارية