شذا

عُمرٌ لن ينفى


قراءة في كتاب في أحضان الكتب

20200208_034832

 

في أحضان الكتب

بلال فضل

٣.٥/٥

 

القراءة عن الكتب والكتابة أمر قريب إلى نفسي وأجدني دائماً أميل لاقتناء هذا النوع من الكتب. إنها بالنسبة لي مصدر إلهام للكتابة بالإضافة إلى أنها دوماً ما تهبني شعوراً بالسلام وشيء من صفاء الذهن.

هذا الكتاب عبارة عن ٣٠ فصل بعناوين مختلفة منها: لذة الكراهية، لكي لا تنسانا الكتب، المستبد الذي بداخلنا، في حسد سكان القبور، التبول الاحتجاجي.

الفصول تحتوي بشكل كبير على اقتباسات من كتب وروايات مختلفة تُبنى على أساس موضوع يبدو وأن الكاتب أراد الكتابة عنه. شخصياً استمتعت أكثر بكثافة الاقتباسات بدت لي أنها العمود الفقري لكل فصل.

 

أفضل فصل بالنسبة لي لأنه لامس شيئاً عايشته بصورة متكررة هو فصل “لكي لا تنسانا الكتب” نقل كتابات دونها الكاتب الألماني زوسكيند عن موضوع ” فقدان الذاكرة الأدبية” هذا أمر أرقني في أوقات سابقة ولا أظن أنه سيفارقني بصورة نهائية. فقدان الذاكرة الأدبية يتناول فكرة نسيان ما نقرؤه، نعم الكتب التي نقرؤها ثم نتوقف لفترة طويلة أمامها محاولين تذكر ما حملته، ما اقتنيناه منها، محاولين معرفة تفاصيل حبنا لكتاب بعينه فلا تسعفنا الذاكرة. وصف زوسكيند الأمر بصورة بديعة وذكر حين راح يفتش في مكتبته حين سئل ذات مرة عن الكتاب الذي أثر فيه وحدد خط حياته وأخرجه عن مساره. لم يكن يحمل إجابة.

لن أخفي بأني شعرت براحة وأنا أقرأ ما كتبه عن فقدان الذاكرة الأدبية وكيف كان يتنقل بنظراته من كتاب لآخر وهو يتذكر أنه لا يتذكر ما اعتقد أنه سيفعل عن كتب قضى معها أوقاتاً كثيرة. شعورة بالراحة كان لمجرد أني رأيت أن هناك من يصفه بصورة كأنها أنا، وهذا أمر كما ذكرت كان يؤرقني في أحوال وكنت أظن أن هناك خللاً ما وتوصلت لذات التساؤل ذات يوم ” لماذا أقرأ هذا الكتاب من جديد، إذا كنت أعرف أني لن أتذكر منه أي شيء على الإطلاق بعد قليل؟” ثم ذكر لاحقاً استنتاجه أن القراءة بالدرجة الأولى قد تكون عملية تشرّب، ولا نعي في الحقيقة ما يحدث خطوة بخطوة لأنه أمر مستمر مع استمرار القراءة. ببساطة ما استنتجته في الأعوام الأخيرة أن نتاج القراءة هو تراكمات مفيدة أكثر من كونها ستكون معلومات محددة في كل مرة من كتاب بحد ذاته.

 

في الفصل الأول فن مكافحة الكاكّا! يتمحور حول فكرة أن العالم مليء بالغائط وعن كيفية التخلص من هذا الأمر.

” سنفعله لو صدق كل منا نفسه وحارب فقط بالسلاح الذي يجيد استخدامه، والذي يحب استخدامه أيضاُ..الخ” أجد فكرة المحاربة “بالسلاح الذي يجيده الإنسان” فكرة عميقة جداً ومميزة. لا نستطيع كلنا أن نقف أمام شتى أمور الحياة لنواجهها بذات الصورة وهذا أمر مهم استيعابه كي لا تُهدر الجهود دون غاية وأثر يذكر.

 

في فصل الخرتتة تناول الكاتب موضوع القطيع والانضمام إليه وأظهر بصورة بديعة مقتبساً من مسرحية ليوجين يونسكو حين بدا أن حبيبة أحد الشخصيات قد أظهرت انتماءها للقطيع ” إن من تخرتتوا قد يكونون هم الناس، فالبهجة بادية على وجوههم ويشعرون بأنهم على ما يرام في جلودهم، لا يبدو عليهم أنهم مجانين، إنهم طبيعيون جداً، لقد كانوا على حق” لعل هذه الكلمات فقط من الفصل كافية بأن تجعل الإنسان ربما يسقطها على مواقف وجوانب من الحياة اليومية وما نقف عليه من مشاهدات موجعة.

 

اقتباس من الكاتب هنري ميللر ” لكي يعرف الإنسان السلام يجب أن يجرب الصراع، عليه أن يمر بالمرحلة البطولية قبل أن يتمكن من التصرف كحكيم، يجب أن يصبح ضحية انفعالاته قبل أن يتمكن من التعالي عليها”

 

” كيف تحارب الوحوش بدون أن تتحول إلى وحش” نيتشه

 

من فصل لذة الكراهية ” تجتذب الكراهية الشخص من نفسه وتنسيه ما حوله ويومه ومستقبله، وتحرره من الرغبة في الإنجاز، ليتحرق شوقاً إلى الالتحام بمن يشاركونه في الكراهية ليشكلوا معه جمهوراً شديد الاشتعال تقوده كراهية الذين تعرضوا للظلم على أيديهم لكن لا ينتبه إلى حقيقة مهمة هي أن الكراهية تجعله يعيد صياغة نفسه على شكل ظالميه”

” الذين يكرهون الشر يقومون بتشكيل أنفسهم على شاكلته، فيديمون وجوده”

ينقل عن إيريك هوفر عن أن الكراهية “وسيلة سهلة لإجبار أي جماعة بشرية على أن تدافع عن نفسها، إلا أنها أنها على المدى البعيد ذات ثمن باهظ يتم دفعه عندما يتخلى الناس عن القيم التي كانوا يدافعون عنها

في ذات الفصل كان هناك عبارة حزينة لزياد رحباني وقت الحرب الأهلية  “أنا ما عاد بدي أغير ها البلد.. أن بس ما بدي ها البلد يغيرني”

 

الكثير من الكتّاب الذين تم إيراد اقتباسات لهم في الكتاب لم أكن على معرفة مسبقة بهم في الحقيقة، ربما أحد أهمهم هو ما كتب عن الكاتب بصورة مطولة وكان له تجربة شخصية في الذهاب إلى تركيا البلد الذي ينتمي إليها الكاتب عزيز نيسين وزيارة وقفه، المبهر أن هذا الكاتب قد ألف ١٢٠ كتاب. وكان من المثير للاهتمام أن يعلم الشخص المزيد عن كاتب كان له نتاج أدبي بهذه الغزارة ولحسن الحظ تناول بلال فضل هذا الجانب ناقلاً عن عزيز نيسين ” كل ليلة يجب أن أدون الأعمال التي سأقوم بها يوم الغد على ورقة، إذا لم تكن كل ليلة فلتكن كل ليلتين أو ثلاث” وعلى سبيل الصدفة كان ينسى أن يتخلص منها حتى ذكر أنه وجدها بعد مرور سنوات  ووجدها غريبة وأثيرة “وجدت في هذه الكتابات نفسي” فقرر الاحتفاظ بها من بعدها عن قصد ويرى أنها ” تربط ماضيّ بحاضري ومستقبلي”

وفي ذات الجانب ذكر بلال فضل طريقته التي يستخدمها في الكتابة “كنت ألزم نفسي بكتابة خطة شهرية لما يجب أن أقرؤه وأكتبه كل شهر ثم أحاسب نفسي في آخر الشهرعليه”

 

” فما أتعس أن يحول الكاتب عقله إلى قبر مؤقت يدفن فيها أفكاره لكي لا تجلب عليه سخط الناس”

” المتطرف يخشى دائماً أنصاف الحلول، ولذلك يستحيل إقناعه بضرورة تخفيف حدة إيمانه المطلق بما يتصور أنه قضية مقدسة، فالمتطرف يشعر بالنقص وفقدان الثقة في النفس ولذلك يجد متعته في الالتصاق بأي كيان متشنج يحتضنه” ” لأنه يعرف أنه لا يساوي شيء خارج الكيان المتطرف الذي ينتمي إليه ولذلك فهو يفزع من أي أفكار متسامحة ويعتبرها علامة الضعف والسطحية والجهل”

يكتب الكاتب عن الكتابة ” ستظل دائماً وأبدا ثقباً في جدار الصمت”

 

 



أضف تعليق

من أنا

شذا المويشير
البورد الكندي في طب أعصاب الكبار أتخصص في طب الأعصاب الطرفية والعضلات. كاتبة: صدر لي كتاب ذاتَ تبَصٌَر في عام ٢٠١٧.

بودكاست عزلة
الكتابة، الترجمة، السفر،التعلم و التعليم الطبي

رسائل إخبارية