شذا

عُمرٌ لن ينفى


الرئيسية

  • The Things You Can See Only When You Slow Down: How to Be Calm in a Busy World

    تقييم الكتاب ٣.٥ من ٥

    الكاتب ناسك بوذي يتناول في كتابه حكم كتبها عن ثمانية جوانب في الحياة قسمها في ثمانية فصول في الكتاب، هناك أجزاء من الفصول تحوي قصص شخصية له لكن لا أعد هذه الجزئية كبيرة مقارنة بالحكم الموجهة بطريقة مباشرة.

    تقييم ٣.٥ لا يعني أن هذا كتاب غير جيّد لكنّي أعتقد أن التقييم يتغير بالمرحلة التي تقرؤها في حياتك وفي أي جزء من رحلتك الروحية أنت حين تقرؤه.

    اقتباسات مفضلة من الكتاب موجودة هنا: https://www.goodreads.com/notes/33832448-the-things-you-can-see-only-when-you-slow-down/2146231?page=1&ref=abp

    الكتاب مقسم إلى ثمانية فصول: الراحة أو الاستراحة، واليقظة الذهنية و الشغف، والعلاقات و الحب و الحياة والمستقبل وأخيراً الروحانية.

    ١. الراحة/ الاستراحة:

    يتحدث فيه الكاتب أن الحياة هي ما نصنعه في عقولنا حين ننظر إلى الخارج، الخارج هذا غير موجود دوننا، العالم الذي نراه هو موجود الآن لأننا نراه في هذه اللحظة. يذكر أن ما نشعر به وما يجري في دواخلنا يجعلنا نرى أمور مختلفة من العالم الخارجي ويجعلنا نفسره بطريقة تتماشى مع ما نشعر به، على سبيل المثال حين نكون مستمتعين وممتلئين بالشغف فإننا نرى العالم بصورة مشابهة وحين نكون غارقين في أفكار سوداء يبدو العالم كذلك أيضاً. لهذا يتناول الكاتب فكرة التأني والتأمل فيما يخص ما نشعر به وكأنه يدعونا للفصل بين أنفسنا وما نشعر به كي تكون هذه المشاعر منفصلة عنّا لا تمثلنا ولا نعدها جزءاً منّا بل أمر عابر متغير كغيره

    اقتباسات من هذا الفصل:

    ٢. اليقظة الذهنية:

    من أكثر الأسئلة التي وردت على الكاتب من الغير في مواقع التواصل الاجتماعي هو الاستفسار عن كيفية التعامل مع المشاعر السلبية التي تتغلب على الإنسان كالغضب والغيرة والكراهية.

    واحدة من أهم العوائق في التعامل مع هذه المشاعر هي رغبة الإنسان القوية في التحكم بها لكي لا يشعر أن الأمور خارج السيطرة مما يخلق شعوراً غير مريح، شعور ينبئ بخطر ما. تكون هناك رغبة ملحة بالتخلص من هذه المشاعر. يعطي الكاتب أمثلة لهذا السلوك من خلال عبارات دارجة تعكس هذا النوع من التعامل: التغلب على الغضب، التغلب على الكراهية وغيره عوضاً عن مرافقة الغضب أو مرافقة الكراهية. المقصود هو ليس أن ترافقه وتستمر بهذه المشاعر لكن الفكرة تتلخص في أن محاولات الإنسان في “التغلب” أو “التخلص” أو حتى دفع هذه المشاعر في أعماق نفسه كي لا تكون جلية غالباً ما تعني عودة هذه المشاعر لأن العقل يتعامل معها كشيء بحاجة للانتباه بصورة مستمرة فتعود في كل مرة. مرافقة المشاعر تتضمن تأملها دون محاولة التحكم بها، تأمل الغضب وهيأته ومعرفة وإدراك أنه كغيره من المشاعر أمر سيمر في نهاية المطاف وليس جزءاً منك أو أمر يعرّفك.

    ٣. الشغف:

    يتحدث الكاتب عن بداياته كأستاذ في الجامعة كمثال على الشغف وكيف أن الشغف لوحدة في أحوال غير كافي. الشغف بحاجة للتوازن بالحكمة. الشغف لوحده دون حكمة قد يؤول إلى نتائج لم يرجوها الشخص من هذا العمل الشغوف فيُخلق الإحباط.

    ٤. العلاقات.

    ٥. الحب.

    ٦. الحياة:

    يذكر الكاتب كيف تغيرت نظرته لأمور معينة بعد إتمام الثلاثين من العمر في ثلاثة نقاط: ١. الناس ليسوا في الحقيقة مهتمين بك بالقدر الذي كنت تظنه. كم من الوقت تستغرق للتفكير بالغير؟ هل تذكر ما الذي كان يلبسه صديق لك قبل أسابيع حين رأيته؟ ٢. ليس على الجميع أن يتقبلك أو يحبك. أنت في نهاية المطاف لا تتقبل الجميع أيضاً. عدم تقبل الآخر لك ليس مشكلتك لتتعامل معها. ٣. معظم ما نقوم به في حياتنا هو من أجلنا.

    ٧. المستقبل.

    ٨. الروحانية:

    تحدث عن أهمية الموازنة بين الذكاء العاطفي والتفكير الناقد والذكاء الروحاني أو الجانب الروحاني. الاختلال في واحد منهما يسبب اعتلال في الاثنين الآخرين مما قد يجلب نظرة غير سوية للأمور. على سبيل المثال حين تنمي التفكير الناقد وتهمل الذكاء العاطفي قد لا تستطيع أن تشعر بمعاناة الغير، حين تنمي الذكاء العاطفي و تهمل الذكاء الروحاني، قد لا تحمل اليأس حين ترى معاناة الناس في هذا العالم، حين تنمي الذكاء الروحاني وتهمل التفكير الناقد، قد تقع ضحية لجماعات بتوجهات غير صحيحة أو سليمة.

    هناك حكم ذكرها الكاتب لا أتفق معها ولا أعتقد علميا بصحتها كنصيحة أن تترك الجرح النفسي دون مداواته وأن الوقت كفيل بمعالجتها. أعتقد أن نصيحة كهذه لا تمت للصحة بصلة فيما يخص الكثير من الأوجاع التي تمر بالإنسان وفي أحوال كثيرة يتوجب للإنسان أن يعمل على المداواة بنفسه أو بمساعدة مختص.

  • حين لا نسمح للألم أن يمرّ من خلالنا

    ما الذي نهرب منه حين لا نكتب، حين نحاول تجاهل ما يحدث فينا، حين نتشاغل وندفن أنفسنا في انشغال فارغ حتى يحل شاغل حقيقي، ثم ننغمس ونتمنى للمرة الألف لو كان ذلك الفارغ موجود، ونعد أنفسنا أن كل مرة مختلفة وأنه فقط لو كان هذا الفراغ موجود سنعامله بصورة مغايرة تماماً، مؤكد أن هذه المرة ستكون مختلفة.

    ثم يحلّ ولا نصنع ما وعدنا أنفسنا ونعيد دفنها في انشغال فارغ. ودون أن ندرك يمضي وقت طويل جداً بهذه الممارسات، يمضي وقت طويل جداً على آخر مرة تحدثنا فيها مع أنفسنا وآخر مرة سمحنا للألم أن يعبر وتقبّلنا أنّه فينا وبحاجة لأن يمرّ من خلالنا قبل أن يمضي عوضاً عن أن نتركه فينا وندفع به إلى عمق النفس كي لا نعيشه. إننا ربما نعلم أنه سيبقى بهكذا مواجهة وربما نعلم أنه سيطفو مراراً على سطح عقولنا ويشعل لحظات غضب لا نعلم من أين أتت وتبدو في لحظة غفلة قادمة من اللاشيء. إلا أن الغضب لا يأتي من لا شيء. إنه يحل علينا حين نتألم، وحين يصيبنا الحزن وحين الخوف ولأننا بصورةٍ ما اخترنا ألا نعيش هذه المشاعر بكل مافيها، تبقى ولا تمضي بعيداً عنّا لكنها لا تظهر بالضرورة كما هي، نصنع كل صنيع لتجنبها، للتظاهر بأنها غريبة عنّا ونظنّ خاطئين أننا نجحنا بالرغم من حطام المشاعر المتراكم فينا، والحطام لا يتلاشى بنفسه، إنه يبقى ثم يطفو بصور مختلفة بصورة نبغضها كالغضب والتيه والرغبة بالهروب والبحث عن النهاية. ولا أحد يريد الحديث عن البحث عن النهاية أو الرغبة بها فنعيد كرة الاختباء تحت مشاعر لا تشبه الحطام الذي فينا لأننا نخاف الخوف، والحزن ونخاف الألم.

    من اليسير تجاهل الحطام والمضي في الحياة بصورة تبدو طبيعية ويسيرة في حين أن الظروف هادئة لا تهز من هذا الحطام لكن حمله بصمت لا يغدو يسيراً ولا يمكنك تجنب مافي حين تتلاطم أمواج فيك وتقف أمام مواجهة ما يصدّك عن طريقك وحين تتعثّر، حينها يغدو من السهل أن يعود إليك ما دفعت به بعيداً عنك وما ظننت أنك منتصر عليه. ثمّ نتساءل من أين هذا وهو فينا طوال الوقت.

    شذا

  • لهذا لم أكتب

    لماذا تبدو العودة إلى النفس ثقيلة؟ لمَ بدت العودة للغوص في عمق الاتساع الذي عايشته يوماً كمهمة مستحيلة؟

    لا إنكار أن أعواماً مضت منذ أن اتخذت مقعداً لأفكر فيمن أكون ، لأفكر في “لماذا؟”

    الانغماس في كل هذا الانشغال لا يقرب الإنسان بالضرورة من نفسه، الجري لمحاولة اللحاق بكل هذه الأحداث المسرعة يعجز عن أن يجعلك تتمحص في تبدلاتك مع مرور الأيام. إن الجري لا يعطيك الفرصة للتأمل، للتساؤل “هل هذا ما أردت أن يملأ نفسي؟ لكن.. ما الذي يملأ نفسي؟ “

    مخيفة فكرة العودة بالذاكرة لترى أنك كنت على معرفة أكثر بنفسك، على قرب أكبر من كل تفاصيل. ربما لم تكن تعرف آنذاك أن هذه المعرفة بحاجة لأن تُروى لا لتكبر فقطـ، بل لتبقى على أقل تقدير. إن الحياة ممتلئة بالمتغيرات ما الذي جعلني أظن أني سأبقى أحمل ذات التفاصيل التي حملتها في زمن مختلف تماماً.

    لماذا بدا هذا الجري كهباء وأنا أعلم يقيناً أنه ليس كذلك؟

    سأخبرك بأني اشتفت للكتابة، بأني في مرات ربما ليست بالعديدة فكرت في أن أعود ثم ما ألبث أن أتراجع وأنا أفكر في كل ما علي الجري خلفه قبل أن تسنح لي فرصة الجلوس في هدوء للكتابة لنفسي مع نفسي. ونسيت أو جهلت أن هذا الابتعاد هو ابتعاد عنّي وأن الجري إن كان مقربة لشيء ما فهو ليس المقربة الوحيدة التي أرجو، إنه يشبع جانباً مختلفاً تماماً من النفس، لكن الكتابة؟ كانت تشفيني فماذا حدث؟

    لماذا يبتعد الإنسان عن الشفاء؟ لماذا يدرك الإنسان ما سيكون أداة من أدوات التخطي ويقرر أن يلقي بها؟ لماذا أشعر بأن الزاوية القصية من هذا العالم التي لطالما اتخذتها بشغف ورغبة.. عارية مما كنت ألوذ به؟ لماذا في المرات التي دفعت فيها بنفسي لمواجهة ورقة أو صفحة في شاشة جهاز إلكتروني خاوية أعود دون الإصرار على الكتابة؟ أعود فارغة وأبتعد أكثر.

    لا أعلم كيف هي الكتابة لدى الآخر، لكني أراها ممارسة تتطلب الصبر والصدق. الصدق الذي ربما نتجنب جوانباً منه ولا نضطر لواجهته في حالة الجري التي أدمنّاها.

    سأخبرك بأني لست راضية بأني لا أذكر آخر مرة شاركت نفسي في كتابة مطوّلة شافية. ربما كان هناك الكثير الذي لا أريد الوقوف أمامه وتعريته. ربما كنت في محاولة لدفن حقائق كثيرة عمّا أشعر به، عن القلق الذي يعتريني حين أهم بالكتابة أو بممارسة العزلة بفكرة وأنا التي لطالما وجدت في العزلة وطناً ومساحة أثيرة للصفاء والاطمئنان.

    أعلم أن لدي الكثير للكتابة عنه، وما يجلب الدمع في عينيّ في أحوال أني لم أدفع بنفسي لواقع الكتابة كما فعلت دائماً، وما لا يقال يتراكم، وأنا بشر أجيد كتابة ما في النفس دون أن أملك متعة الحديث صوتاً، لطالما لم يكن الكلام وسيلتي للحديث سوى لأناس مختارة.

    ما الذي يجعل الإنسان يتوقف عن ممارسة أدوات شفائه؟

    في مرات سابقة فوجئت بصوت صغير وسأكون صادقة هنا عن هذا الصوت المزعج جداً ما الذي سيشعر به من يقرأ؟ أي فكرة ستخالج من يقرأ؟ وأنا التي كنت أبغض وأمقت هذه التساؤلات لأني لطالما آمنت أن الكاتب بحريته، وأنه لا شيء يساوي أن تكتب ما تريد دون أن تتساءل، إن تساءلت فأنت لا تكتب لنفسك ومن أجلها بل لترضي غيرك وهذا ما لم أقدم يوماً على الكتابة لأجله. والآن وأنا أكتب أتساءل هل هذا أحد أسباب عزوفي عما أحب؟ أني في اللحظة التي بدأت فيها بالتساؤل فقدت فيها شعور الشفاء ولم أعد أرى أن نتاجي سيكون حقيقة الأحاديث التي تتصارع في نفسي والأفكار التي أجدها على صفحة عقلي إن استمريت بهذه التساؤلات؟

    ربما. هذا سبب كافي ومقنع، خاصة عند نفس لطالما رأت عاراً في أن يحرّف الكاتب ما يدفعه إلهام الكتابة لتدوينه من أجل أحداث أو رأي.

    هناك أمور تتطلب وقتاً لتظهر للإنسان بصورتها الجلية لعقله، هناك أمور قد نرضى الانخراط بها أو الانخراط عنها لأننا دون وعي قررنا التخلي، إلا أن الوقت كفيل بأن يعيدنا إلى ما ارتأيناه لأنفسنا.

    وعلى أي حال، ما الذي تفيده تيك التساؤلات العقيمة.. الأوجاع الخفية في جنباتك؟

    الكثير من الخسارات التي يواجهها الإنسان هي نتاج التفاتاته الكثيرة لمن حوله للتأكد أن كل من حوله على وفاق لما يصنع، وهنا يفقد الإنسان معنى العيش وقد تبدو هذه الالتفاتات ضرورة للاستمرار في زمن حاضر إلا أن الاستمرار فيها والنظر للوراء إليها حين يكون الإنسان في نقطة ما من المستقبل تخبر أن الشيء الوحيد الذي حصل عليه الإنسان من هذا الانحناء هو خسارته لما أراد، والغير لن يأبه في اللحظة الحاضرة التي تلتفت فيها إلى ماضي باستياء لأنك تركت شيئاً كنت تعدّه جزءاً منك. ذاك الغير قد يمارس الآن ذات الشيء الذي دفعك بأي طريقة لتجانبه.

    لا ألذ من اللحظات التي أعود فيها للوراء وأنا أعايش لحظات وقفت فيها من أجل نفسي، ولما أؤمن به مهما صغر الأمر أو كبر في مواجهة آراء مهترئة تخالفك فقط لفكرة المخالفة وفقط لفكرة أنك لا تستحق أن تحمل حق الرأي وممارسة ما تراه حقاً كاملاً لك. لا ألذ من اللحظات التي أعود فيها للوراء وأرى الآن وأشكرني أن قررت الوقوف وعدم التراجع فقط لأن الأمور كانت غير مطمئنة، فقط لأن غيرك شعر بالتهديد لوجودك ولممارستك حقك. لا تظن أن الجميع سيسعد لما تمارس، لكن من قال أنك خلقت لإسعاد هذا الجميع خاصة إن حملوا مبادئ معوجة وأفكاراً مهترئة يخجل العقل أن يجلبها. وتذكر أن الجهل رفيق للاندفاع والعمى، العمى عن الحقيقة. وأن البعض لا يختار الرغبة بالمعرفة ويركن للجهل، ويفخر بالجهل. هددني أحدهم مرة بأنه سيجلب سلاحه لقتلي، في المكان الذي أسميته منزلي ذات يوم. نعم هناك من يحمل من الجهل أن يقتحم منزلك بهذا الهراء وينتظر منك التراجع، ولا ألذ من اللحظات التي أعود فيها للوراء لأذكر أني لم أتوقف عن الاستمرار فيما هُددت بسببه.

    لا تتوقع المروءة من الجميع ولا تتراجع عمّا تؤمن به لمجرد أنك قوبلت بقسوة.

    عودة إلى الكتابة، أشعر أني مررت بتجارب عديدة لم أعطيها حقها من الكتابة مؤخراً، لا أصدق أن هذه المدة مضت من الجائحة على سبيل المثال دون أن أكتب، تنقلت من بين خمس مدن في الخمسة الأشهر الماضية وحدث الكثير دون أن أكتب كتابة مطولة شافية.

    وقعت في الحب مرات عديدة مع ذات الشخص ولم أكتب، حصلت على حلمين في يوم واحد بعد جهد ومرض وافتراق عمّن أحب ولم أكتب سوى كلمات قليلة، فقدت قريباً دون أن أكتب، شعرت أن الحياة تتبدل وأنا أقارب الثلاثين وأن ثمة ما يتغير في نفسي بصورة لذيذة دون أن أكتب، أدركت برغبة دفعت بها لأعوام دون أن أكتب، تعاركت مع كل الأفكار القلقة في عقلي دون أن أكتب، تبقى من تدريبي أقل مما مضى ولم أكتب، اشتقت لشفاء الكتابة ولم أكتب، أكثرت الجري لهذا لم أكتب، وتساءلت كثيراً قبل أن أخط كلمة لهذا لم أكتب، سألت نفسي بأني إن لم أصدق نفسي فلماذا أكتب؟

    شذا

  • العودة بالزمن ممسكاً بحاضر

    كأنك تعود بالزمن وأنت تحمل كل الحاضر معك. القسمات المألوفة وزوايا المبنى الذي يخيّل لي أني يمكن أن أمشي فيه مغمضة العينين.

    أحمل بطاقة فيها صورتي وينتابني شعور اعتياد وغربة، أمشي بصورة لي قبل أعوام، ملابس لم أعد أملكها. قسمات متشابهة كثيراً مع شيئ مختلف، متشابهة دون أن تبدو متطابقة.

    تقربني خطواتي باتجاه المقهى الذي شهد الكثير من الليالي المرهقة والمليئة بالشك والخوف، علي أن أعترف أنه كان هناك القليل من الامتنان آنذاك. بدت كثير من الأبواب موصدة، قاتمة. أمر بجانب المقهى وأراني أقف فيه قبل أعوام الثالثة فجراً والدمع يملأ وجنتي، لا أستطيع إيقاف نفسي عن البكاء والفكرة الوحيدة التي أحملها أن خطواتي ستحملني خارج هذا المكان دون أن أعود، كانت الخيبة تملأ أطرافي وتثقلني، كنت أكاد لا أعرفني في أوقات كثيرة.

    أعود للآن؟ أم أنني حقاً عدت في الزمن؟

    أفاجأ بأني أذكر حتى الأماكن التي لم أزرها مسبقاً بكثرة، لا أسأل عن إرشادات الوصول. كان ثمة ما يقودني كأني في ذلك الماضي كأنني لم أفارق المكان أياماً عوضاً عن حقيقة أني لم أطأ هذا المكان لأعوام.

    لا أنسى أني فارقت هذا المكان حين فارقته بعجل، كان هناك الكثير من الأمور المتشابكة، أذكر أني حجزت تذكرة الذهاب لمدينة أخرى دون أن أعطي نفسي مزيداً من الوقت لحزم حقائبي. كانت الليلة التي تسبق سفري مقلقة. سكني لم يكن يُظهر أي علامات لقرب رحيل. ليس أي رحيل لكن رحيل دون عودة. الثلاجة ممتلئة وحقائبي مفرغة والسرير الذي يُملأ بالهواء مستلقي أمامي. لم أعرف كيف أتخلص من كل ما هو أمامي خلال ساعات قليلة قادمة قبل أن أخرج مسرعة للمطار.

    هناك أمر مرضي ومريح للنفس كإنسان حين المرور بمألوف، لكن هذا ليس كل ما في الأمر. العبارة التي تتكرر في عقلي هي “كن واثقاً من سير الرحلة وأثر الوقت على اتساع التجربة واكتساب ما تسعى إليه”. من اليسير جداً ألا نرى لهذا المفهوم قيمة ولا ندرك حقيقة ما يعنيه سوى عندما نستشعر أثر مضي الوقت والسير فيما تريد لأن من الطبيعي جداً أن تكون البدايات مرهقة وأن تبدو ضيقة دون أن يكون فيها متسعاً للنمو. من اليسير جداً أن تتخم بالشك من أن لا تريد شيئاً بقدر ما تريد التوقف والمغادرة دون الالتفات للوراء. قد تعمى عن فكرة أن هناك من سبقك ولا يمكن أن تكون وحدك في هذا الشعور بالغربة.

    الأمر الذي قد ينساه الإنسان في أحوال هو العودة في الذاكرة إلى نقطة البداية. لكن العودة إلى حيث كنت مكاناً في نقطة البداية بعد انقطاع قد يعين ذاكرتك على الانتعاش والعودة. الأمر يختلف إن استمريت في ذات البقعة من الأرض لأعوام وربما يصعب عليك استشعار هذا المفهوم لأننا قد لا نشعر بمرور الوقت وإن نمونا كثيراً خلاله وإن غدونا في درجات أعلى بكثير في التحربة والمعرفة. لكن العودة بعد انقطاع ستجلب لك ذكريات المكان وهذه الذكريات هي بداياتك. وتصيبك الدهشة حين تذكر. ربما تضحك على ما بكيت من أجله وتبتسم حين تمر من مكان كرهته. وربما تبتسم برضى وأنت تستنشق هواء مختلفاً شعوره وتدرك أنك مضيت وكبرت الأشياء فيك وزادك الوقت والتجربة نضجا وعلماً وإن لم تشعر بذلك في كل يوم من الأعوام السابقى/ لكن العودة للبدايات هي دليلك الذي لا يمكن أن تكذبه ولا تصدق بيانه.

    هذا لا يعني التوقف، إلا أن العودة وسيلة لدفع الإنسان للاستمرار حين يشعر أن الأحداث مخيبة وأن الأمر لا يمكن أن يوصف بأقل من أنه عسير بصورة لم يضعها في حسبان.

    إن العودة دليلك الذي يخبرك بأن تستمر لأنها لن تكون المرة الأخيرة التي تحمل فيها الشك أو التردد بمقدرة في مجال كهذا. لكن إن كان لك فرصة العودة بالزمن فالأمل من ذلك أن تحمل دائماً تذكرة معك في أوقات الضيق وحين يبدو ما حولك متجهماً.

    تذكرة العودة للبداية دليل صدّق بيانه.

  • بودكاست عُزْلَة

    عزلة Solitude (2)

    في العزلة تُخلق الفكرة،وينساب حديث نفس متأن في زاوية قصية عن العالم.

    انتهيت من تسجيل أولى حلقات بودكاست عُزْلَة، أتحدث فيه عن تأجيل المتعة اللحظية: تأملات وأفكار في زمن مترف بالسرعة.

    أترككم مع الحلقة الأولى:

     

  • ووصّيتُ فيك الرياض

    20190720_111903

    وودعت تلك الرياض على حين صخب

    وكنتَ الرسول الذي أرتدي من أمانه، أحتفي بسكونه

    وكنتَ الرسول الذي عند باب المطار أودعه دوماً

    أقبّل ما بين عينيه شوقاً وأهمس أن الحنين تكالب حتى تغلّب، وأني بتوقٍ أودعه لحظة قربِ نداء

    وأنه حين تبصّر فيّ التراجُع.. تراجَع

    وأسرع بخطاه ليمضي قبل حلول وهن اشتياق وقبل التأمّل فيما يكون وقبل الذهاب

    وأذكر حينها أني مشيت وما زال دمع يعتلي كتفي بعد حُرّ عناق

    صديقٌ صفيّ، قريب ببعدٍ، عهدتُّه على أن أكون السلام لقلبه، عهدت عينيه أبداً طريق نقيٌّ لأحاديث نفسه.

    ومنذ عرفته أيقنت أنّي لا أتمارى بما بي لرسمه، ومنذ رأيته علمت بأني سأشهد يوم انتصار لقاء

    وآمنت أنيَ وطنٌ لقلبه حين رأيته

    وودعتُ تلك الرياض بثقل الحنين

    وأقسى الوداع إذا ما أُضمِر ميعاد يومِ تلاقٍ وبُعدِ افتراق

    ودعت تلك الرياض، ووصيت فيك الرياض، تربّت ليلاً على كتفك، تعانق شوقك حتى أراك هنا أو في أراضي الرياض

     

     

    شذا

    مارس ٢٣  ٢٠٢٠

  • قراءة في كتاب في أحضان الكتب

    20200208_034832

     

    في أحضان الكتب

    بلال فضل

    ٣.٥/٥

     

    القراءة عن الكتب والكتابة أمر قريب إلى نفسي وأجدني دائماً أميل لاقتناء هذا النوع من الكتب. إنها بالنسبة لي مصدر إلهام للكتابة بالإضافة إلى أنها دوماً ما تهبني شعوراً بالسلام وشيء من صفاء الذهن.

    هذا الكتاب عبارة عن ٣٠ فصل بعناوين مختلفة منها: لذة الكراهية، لكي لا تنسانا الكتب، المستبد الذي بداخلنا، في حسد سكان القبور، التبول الاحتجاجي.

    الفصول تحتوي بشكل كبير على اقتباسات من كتب وروايات مختلفة تُبنى على أساس موضوع يبدو وأن الكاتب أراد الكتابة عنه. شخصياً استمتعت أكثر بكثافة الاقتباسات بدت لي أنها العمود الفقري لكل فصل.

     

    أفضل فصل بالنسبة لي لأنه لامس شيئاً عايشته بصورة متكررة هو فصل “لكي لا تنسانا الكتب” نقل كتابات دونها الكاتب الألماني زوسكيند عن موضوع ” فقدان الذاكرة الأدبية” هذا أمر أرقني في أوقات سابقة ولا أظن أنه سيفارقني بصورة نهائية. فقدان الذاكرة الأدبية يتناول فكرة نسيان ما نقرؤه، نعم الكتب التي نقرؤها ثم نتوقف لفترة طويلة أمامها محاولين تذكر ما حملته، ما اقتنيناه منها، محاولين معرفة تفاصيل حبنا لكتاب بعينه فلا تسعفنا الذاكرة. وصف زوسكيند الأمر بصورة بديعة وذكر حين راح يفتش في مكتبته حين سئل ذات مرة عن الكتاب الذي أثر فيه وحدد خط حياته وأخرجه عن مساره. لم يكن يحمل إجابة.

    لن أخفي بأني شعرت براحة وأنا أقرأ ما كتبه عن فقدان الذاكرة الأدبية وكيف كان يتنقل بنظراته من كتاب لآخر وهو يتذكر أنه لا يتذكر ما اعتقد أنه سيفعل عن كتب قضى معها أوقاتاً كثيرة. شعورة بالراحة كان لمجرد أني رأيت أن هناك من يصفه بصورة كأنها أنا، وهذا أمر كما ذكرت كان يؤرقني في أحوال وكنت أظن أن هناك خللاً ما وتوصلت لذات التساؤل ذات يوم ” لماذا أقرأ هذا الكتاب من جديد، إذا كنت أعرف أني لن أتذكر منه أي شيء على الإطلاق بعد قليل؟” ثم ذكر لاحقاً استنتاجه أن القراءة بالدرجة الأولى قد تكون عملية تشرّب، ولا نعي في الحقيقة ما يحدث خطوة بخطوة لأنه أمر مستمر مع استمرار القراءة. ببساطة ما استنتجته في الأعوام الأخيرة أن نتاج القراءة هو تراكمات مفيدة أكثر من كونها ستكون معلومات محددة في كل مرة من كتاب بحد ذاته.

     

    في الفصل الأول فن مكافحة الكاكّا! يتمحور حول فكرة أن العالم مليء بالغائط وعن كيفية التخلص من هذا الأمر.

    ” سنفعله لو صدق كل منا نفسه وحارب فقط بالسلاح الذي يجيد استخدامه، والذي يحب استخدامه أيضاُ..الخ” أجد فكرة المحاربة “بالسلاح الذي يجيده الإنسان” فكرة عميقة جداً ومميزة. لا نستطيع كلنا أن نقف أمام شتى أمور الحياة لنواجهها بذات الصورة وهذا أمر مهم استيعابه كي لا تُهدر الجهود دون غاية وأثر يذكر.

     

    في فصل الخرتتة تناول الكاتب موضوع القطيع والانضمام إليه وأظهر بصورة بديعة مقتبساً من مسرحية ليوجين يونسكو حين بدا أن حبيبة أحد الشخصيات قد أظهرت انتماءها للقطيع ” إن من تخرتتوا قد يكونون هم الناس، فالبهجة بادية على وجوههم ويشعرون بأنهم على ما يرام في جلودهم، لا يبدو عليهم أنهم مجانين، إنهم طبيعيون جداً، لقد كانوا على حق” لعل هذه الكلمات فقط من الفصل كافية بأن تجعل الإنسان ربما يسقطها على مواقف وجوانب من الحياة اليومية وما نقف عليه من مشاهدات موجعة.

     

    اقتباس من الكاتب هنري ميللر ” لكي يعرف الإنسان السلام يجب أن يجرب الصراع، عليه أن يمر بالمرحلة البطولية قبل أن يتمكن من التصرف كحكيم، يجب أن يصبح ضحية انفعالاته قبل أن يتمكن من التعالي عليها”

     

    ” كيف تحارب الوحوش بدون أن تتحول إلى وحش” نيتشه

     

    من فصل لذة الكراهية ” تجتذب الكراهية الشخص من نفسه وتنسيه ما حوله ويومه ومستقبله، وتحرره من الرغبة في الإنجاز، ليتحرق شوقاً إلى الالتحام بمن يشاركونه في الكراهية ليشكلوا معه جمهوراً شديد الاشتعال تقوده كراهية الذين تعرضوا للظلم على أيديهم لكن لا ينتبه إلى حقيقة مهمة هي أن الكراهية تجعله يعيد صياغة نفسه على شكل ظالميه”

    ” الذين يكرهون الشر يقومون بتشكيل أنفسهم على شاكلته، فيديمون وجوده”

    ينقل عن إيريك هوفر عن أن الكراهية “وسيلة سهلة لإجبار أي جماعة بشرية على أن تدافع عن نفسها، إلا أنها أنها على المدى البعيد ذات ثمن باهظ يتم دفعه عندما يتخلى الناس عن القيم التي كانوا يدافعون عنها

    في ذات الفصل كان هناك عبارة حزينة لزياد رحباني وقت الحرب الأهلية  “أنا ما عاد بدي أغير ها البلد.. أن بس ما بدي ها البلد يغيرني”

     

    الكثير من الكتّاب الذين تم إيراد اقتباسات لهم في الكتاب لم أكن على معرفة مسبقة بهم في الحقيقة، ربما أحد أهمهم هو ما كتب عن الكاتب بصورة مطولة وكان له تجربة شخصية في الذهاب إلى تركيا البلد الذي ينتمي إليها الكاتب عزيز نيسين وزيارة وقفه، المبهر أن هذا الكاتب قد ألف ١٢٠ كتاب. وكان من المثير للاهتمام أن يعلم الشخص المزيد عن كاتب كان له نتاج أدبي بهذه الغزارة ولحسن الحظ تناول بلال فضل هذا الجانب ناقلاً عن عزيز نيسين ” كل ليلة يجب أن أدون الأعمال التي سأقوم بها يوم الغد على ورقة، إذا لم تكن كل ليلة فلتكن كل ليلتين أو ثلاث” وعلى سبيل الصدفة كان ينسى أن يتخلص منها حتى ذكر أنه وجدها بعد مرور سنوات  ووجدها غريبة وأثيرة “وجدت في هذه الكتابات نفسي” فقرر الاحتفاظ بها من بعدها عن قصد ويرى أنها ” تربط ماضيّ بحاضري ومستقبلي”

    وفي ذات الجانب ذكر بلال فضل طريقته التي يستخدمها في الكتابة “كنت ألزم نفسي بكتابة خطة شهرية لما يجب أن أقرؤه وأكتبه كل شهر ثم أحاسب نفسي في آخر الشهرعليه”

     

    ” فما أتعس أن يحول الكاتب عقله إلى قبر مؤقت يدفن فيها أفكاره لكي لا تجلب عليه سخط الناس”

    ” المتطرف يخشى دائماً أنصاف الحلول، ولذلك يستحيل إقناعه بضرورة تخفيف حدة إيمانه المطلق بما يتصور أنه قضية مقدسة، فالمتطرف يشعر بالنقص وفقدان الثقة في النفس ولذلك يجد متعته في الالتصاق بأي كيان متشنج يحتضنه” ” لأنه يعرف أنه لا يساوي شيء خارج الكيان المتطرف الذي ينتمي إليه ولذلك فهو يفزع من أي أفكار متسامحة ويعتبرها علامة الضعف والسطحية والجهل”

    يكتب الكاتب عن الكتابة ” ستظل دائماً وأبدا ثقباً في جدار الصمت”

     

     

  • في حبّ الرياض، المدينة الوطن

    الرياض

    إن انتمائي لهذه المدينة بلا شك. فاتنة هي الرياض حين تعانق ساعات ليلها، رقيقة، وهادئة وفي أحيان صاخبة.

    أنا لا أحب الصخب.

    أندس دوماً في شوارعها وزواياها الممتلئة بالسكينة بعيداً عن زخم الحياة، بعيداً عن الضجيج وهذا ما أحب فيها، كلّ له أن يعيشها بالجانب الذي أَحَب.

    إن انتمائي لهذه الصديقة لا لغيرها، وإن ولدت بعيداً جداً عنها في مدينة تبعد آلاف الأميال عن أرضها.

    حين تحيط بي الغربة أينما وليت وجهي لا أتوق لمن أحب في الوطن فقط، إني أصاب بتوق شديد لما أحب، والآثر إلى نفسي أرض الرياض.

    إنك حين تحب أرضاً تشعر بها تربت على كتفك لحظة وصولك إليها بعد عناء غربة، تشعر بها تقبّل ما بين عينيك، تضمك إلى صدرها وتكاد تسمع نفسك تطلق تنهيدة ثقيلة وأنت تشعر بالطمأنينة تبث في أرجائك المشتاقة. تغمض عينيك بعظيم طمأنينة تكاد تراها وهي تتسع أكثر وأكثر في جوفك مع كل لحظة لقاء تمضي.

    إنها الرياض، رمز وطن. كيف لا أحمل لها ما أحمل وقد أمضيت الصغر فيها وأعوام نضج تلتها، كيف لا أنثر الورد في طرقاتها وفيها التقيت بإنسٍ لم يخطر لي يوماً أن امرأً واحداً من الممكن أن يحمل ما يحمله هو من نبل ومروءة وصدق. كيف لا أنثر الورد في طرقاتها وفيها التقيت بمن أنبت في قلبي زهراً لا يذبل.

    ما أثقل أن أودعها، ما أثقل أن ألا أصحو على حرارة شمسها، أن أكون أبعد ما أكون عنها وأنا أحاول أن أهدئ من روع الحنين بوعد أيام قليلة في مستقبل قريب أم بعيد.

     

  • أنا لا أراك بهذه الدنيا

    أنا لا أراك بهذه الدنيا
    يكفي بأن الجرح كان ولن يكون
    أنت الذي ألقيت يوماً بالنفيس
    أنت الذي عاهدت يوماً أن تفي
    ثم ارتحلت
    ثم ابتدأت حكاية لم تقترب مما وعدت
    أنت الذي لن أنس يوماً ما كسرت
    قد خابت الآمال وما أحييتها سوى بعد أن دُفنت بقاياكَ عنّي
    لم ألتفت
    لم تكتفِ بهرائك المعهود في زمن الخيانة يا حانثاً بوعودك المطوّلة
    كذوب، وأعاتب النفس التي ظنّت بأنك في ظلال الصدق يوماً قد وقفت
    أنت الذي لا فخر لي بوجوده، لا أحمل المعنى الذي تصبو له
    أنا لا أراك بهذه الدنيا
    نظر تعلّق في كل ليلة بارتعاش الخوف لا يدري أيّ البشائر أم مصائب قد أتقنت حبكتها ستهوي بانتظام
    أنا لا أراك
    ما عدت أنتظر السؤال
    ما عاد ينتصر الحنين، مات الحنين ولا توق إليك
    أنا مذ عرفتك أدركت نفسي بأنك لا شيء في نفسي، وأنك لم تكن يوماً لقربي مستحق
    أنت الذي لا أذكر الخير في وجهك، أبصرت خيباتي معك، في ليلة شتوية تململت الحكاية واستحال الشرخ كالشمس على صفحة زرقاءَ لا تختبئ.

  • حين لا يعود الإنسان وطناً

    20190421_202730

    يصيبها بالوجع أنها لم تكن أوّل من ولّى وجهه إليه، أنها لم تكن صبره وهو الذي عاهدها أن يلقاها في أيّ لحظة تضيق فيها الحكاية وهي التي ما كانت تحمل في خلدها في يومٍ تردّد لحظة من قبل أن تمتدّ يدها وينطلق فيها لسانها.

    يصيبها بالوجع أنها تُركت بجهل بعد وداعها له.

    كيف لها أن تخبره أن ما أرّقها أنها لطالما ظنّت أنها أول ملجأ وآمن وطن.

    الأوطان تحتضن المرء أولاً، ولم يكن لها أن تفعل ذلك بعد أن سُلبت خصائص الأوطان من بين جوانبها.

    هي التي لم تقرأه، لم يطل النظر في عينيها فلم تقرأهما

    كيف تخبره أن ألم الخبر عميق وأن وجع الجهل ألم مضاف إلى كمّ الوجع

    إنها مشاعر تبغضها النفس وتكره أن تطلع على ما فيها.

     

    إنها لا تصدّق حتى الآن أنها لم تكن الوطن الذي ظنّت دوماً أنها هو.

أضف تعليق

من أنا

شذا المويشير
البورد الكندي في طب أعصاب الكبار أتخصص في طب الأعصاب الطرفية والعضلات. كاتبة: صدر لي كتاب ذاتَ تبَصٌَر في عام ٢٠١٧.

بودكاست عزلة
الكتابة، الترجمة، السفر،التعلم و التعليم الطبي

رسائل إخبارية